بِمَدْحِ المصطفى تَحيا القلوبُ | وتُغْتَفَرُ الخطايا والذُّنُوبُ |
وأرجو أن أعيشَ بهِ سعيداً | وَألقاهُ وَليس عَلَيّ حُوبُ |
نبي كامل الأوصافِ تمت | محاسنه فقيل له الحبيبُ |
يُفَرِّجُ ذِكْرُهُ الكُرُباتِ عنا | إذا نَزَلَتْ بساحَتِنا الكُروبُ |
مدائحُه تَزِيدُ القَلْبَ شَوْقاً | إليه كأنها حَلْيٌ وَطيبُ |
وأذكرهُ وليلُ الخطبِ داجٍ | عَلَيَّ فَتَنْجلِي عني الخُطوبُ |
وَصَفْتُ شمائلاً منه حِساناً | فما أدري أمدحٌ أمْ نسيبُ |
وَمَنْ لي أنْ أرى منه محَيًّاً | يُسَرُّ بحسنِهِ القلْبُ الكئِيبُ |
كأنَّ حديثَه زَهْرٌ نَضِيرٌ | وحاملَ زهرهِ غصنٌ رطيبُ |
ولي طرفٌ لمرآهُ مشوقٌ | وَلِي قلب لِذِكْراهُ طَروبُ |
تبوأ قاب قوسين اختصاصاً | ولا واشٍ هناك ولا رقيبُ |
مناصبهُ السنيّة ليس فيها | لإنسانٍ وَلاَ مَلَكٍ نَصِيبُ |
رَحِيبُ الصَّدْرِ ضاقَ الكَوْنُ عما | تَضَمَّنَ ذلك الصَّدْرُ الرحيبُ |
يجدد في قعودٍ أو قيامٍ | له شوقي المدرس والخطيبُ |
على قدرٍ يمد الناس علماً | كما يُعْطِيك أدْوِيَة ً طبيبُ |
وَتَسْتَهْدِي القلوبُ النُّورَ منه | كما استهدى من البحر القليبُ |
بدت للناس منه شموسُ علمٍ | طَوالِعَ ما تَزُولُ وَلا تَغِيبُ |
وألهمنا به التقوى فشقتْ | لنا عمَّا أكَنَّتْهُ الغُيُوبُ |
خلائِقُهُ مَوَاهِبُ دُونَ كَسْبٍ | وشَتَّانَ المَوَاهِبُ والكُسُوبُ |
مهذبة ٌ بنور الله ليست | كأخلاق يهذبها اللبيبُ |
وَآدابُ النُّبُوَّة ِ مُعجزاتٌ | فكيف يَنالُها الرجُلُ الأديبُ |
أَبْيَنَ مِنَ الطِّباعِ دَماً وَفَرْثاً | وجاءت مثلَ ما جاء الحليبُ |
سَمِعْنا الوَحْيَ مِنْ فِيه صريحاً | كغادية عزاليها تصوبُ |
فلا قَوْلٌ وَلا عَمَلٌ لَدَيْها | بفاحِشَة ٍ وَلا بِهَوى ً مَشُوبُ |
وَبالأهواءُ تَخْتَلِفُ المساعي | وتَفْتَرِق المذاهب وَالشُّعوبُ |
ولما صار ذاك الغيث سيلاً | علاهُ من الثرى الزبدُالغريبُ |
فلاتنسبْ لقول الله ريباً | فما في قولِ رَبِّك ما يَرِيبُ |
فإن تَخُلُقْ لهُ الأعداءُ عَيْباً | فَقَوْلُ العَائِبِينَ هو المَعيبُ |
فَخالِفْ أُمَّتَيْ موسى وَعيسى | فما فيهم لخالقه منيبُ |
فَقَوْمٌ منهم فُتِنُوا بِعِجْلٍ | وَقَوْماً منهمْ فَتَنَ الصَّليبُ |
وَأحبارٌ تَقُولُ لَهُ شَبِيهٌ | وَرُهْبَانٌ تَقُولُ لَهُ ضَرِيبُ |
وَإنَّ محمداً لرَسولُ حَقٍّ | حسيبٌ فينبوته نسيبُ |
أمين صادقٌ برٌّ تقيٌّ | عليمٌ ماجِدٌ هادٍ وَهُوبُ |
يريك على الرضا والسخط وجهاً | تَرُوقُ به البَشَاشَة ُ وَالقُطوبُ |
يُضِيءُ بِوَجْهِهِ المِحْرابُ لَيْلاً | وَتُظْلِمُ في النهارِ به الحُروبُ |
تقدمَ من تقدمَ من نببيٍّ | نماهُ وهكذا البطلُ النجيبُ |
وصَدَّقَهُ وحَكَّمَهُ صَبِيّاً | من الكفار شبانٌ وشيبُ |
فلما جاءَهم بالحقِّ صَدُّوا | وصد أولئك العجب العجيبُ |
شريعتُهُ صراطٌ مُستقيمٌ | فليس يمسنا فيها لغوبُ |
عليك بها فإن لها كتاباً | عليه تحسد الحدق القلوبُ |
ينوب لها عن الكتب المواضي | وليست عنه في حال تنوبُ |
ألم تره ينادي بالتحدي |
| عن الحسن البديعِ به جيوبُ |
وَدَانَ البَدْرُ مُنْشَقّاً إليه | وأفْصَحَ ناطِقاً عَيْرٌ وَذِيبُ |
وجذع النخلِ حنَّ حنينَ ثكلى | لهُ فأَجابهُ نِعْمَ المُجِيبُ |
وَقد سَجَدَتْ لهُ أغصانُ سَرْحٍ | فلِمَ لا يؤْمِنُ الظَّبْيُّ الرَّبيبُ |
وكم من دعوة في المحلِ منها | رَبَتْ وَاهْتَزَّتِ الأرضُ الجَدِيبُ |
وَروَّى عَسْكراً بحلِيبِ شاة ٍ | فعاودهم به العيش الخصيبُ |
ومخبولٌ أتاهُ فثاب عقلٌ | إليه ولم نخلهُ له يثوب |
وما ماءٌ تلقى وهو ملحٌ | أُجاجٌ طَعْمُهُ إلاّ يَطِيبُ |
وعينٌ فارقَتْ نظراً فعادت | كما كانت وردّ لها السليبُ |
ومَيْتٌ مُؤذِنٌ بِفِراقِ رُوحٍ | أقام وسرِّيَتْ عنه شعوبُ |
وثَغْرُ مُعَمِّرٍ عُمراً طويلاً | تُوفي وهو منضودٌ شنيب |
ونخلٌ أثمرتْ في دون عامٍ | فغارَ بها على القنوِ العسيبُ |
ووفى منه سلمانٌ ديوناً | عليه ما يوفيها جريب |
وجردَ من جريدِ النخلِ سيفاً | فقيل بذاك للسيفِ القضيب |
وهَزَّ ثَبِيرُ عِطْفَيْهِ سُروراً | به كالغصنِ هبتهُ الجنوبُ |
ورَدَّ الفيلَ والأحزابَ طَيْرٌ | وريحٌ مايطاقُ لها هبوبُ |
وفارسُ خانها ماءٌ ونارٌ | فغيِضَ الماءُ وانطفَأَ اللَّهيبُ |
وَقد هَزَّ الحسامَ عليه عادٍ | بِيَومٍ نَوْمُه فيه هُبوبُ |
فقام المصطفى بالسيفِ يسطو | على الساطي به وله وثوبُ |
وريعَ له أبو جهلٍ بفحلٍ | ينوبُ عن الهزبرِله نيوبُ |
وشهبٌ أرسلتْ حرساً فخطتْ | على طرسِ الظلامِ بها شطوبُ |
ولم أرَ معجزاتٍ مثل ذكرٍ | إليه كلُّ ذِي لُبٍّ يُنِيبُ |
وما آياته تحصى بعدٍّ | فَيُدْرِكَ شَأْوَها مني طَلوبُ |
طفقتُ أ‘دُّ منها موجَ بحرٍ | وَقَطْراً غَيْثُهُ أَبداً يَصُوبُ |
يَجُودُ سَحابُهُنَّ وَلا انْقِشَاعٌ | وَيَزْخَرُ بَحْرُهُنَّ ولا نُضُوبُ |
فراقك من بوارقها وميضٌ | وشاقك من جواهرها رسوبُ |
هدانا للإله بها نبيٌّ | فضائله إذا تحكى ضروبُ |
وأَخبَرَ تابِعِيِه بِغائِباتٍ | وليس بكائن عنه مَغيبُ |
ولا كتبَ الكتابَ ولا تلاه | فيلحدَ في رسالته المريبُ |
وقد نالوا على الأمم المواضي | به شرفاً فكلهم حسيبُ |
وما كأميرِنا فيهم أميرٌ | ولا كنقِيبنا لهمُ نقيبُ |
كأن عليمنا لهم نبيٌّ | لدعوتِهِ الخلائقُ تستجيبُ |
وقد كتبتْ علينا واجباتٌ | أشَدُّ عليهمُ منها النُّدوبُ |
وما تتضاعفُ الأغلالُ إلاَّ | إذا قستِ الرقابُ أو القلوبُ |
ولما قيلَ للكفارِ خُشْبٌ | تحكَّمَ فيهم السيفُ الخشيبُ |
حَكَوْا في ضَرْبِ أمثلة ٍ حَمِيراً | فوَاحِدُنا لألْفِهِمُ ضَرُوبُ |
وما علماؤنا إلا سيوفٌ | مواضٍ لاتفلُّ لها غروبُ |
سَراة ٌ لم يَقُلْ منهم سَرِيُّ | لِيَومِ كَرِيهَة ٍ يَوْمٌ عَصِيبُ |
ولم يفتنهمُ ماءٌ نميرٌ | من الدنيا ولا مرعى ً خصيبُ |
ولم تغمضْ لهم ليلاً جفونٌ | ولا ألفتْ مضاجعها جنوبُ |
يشوقكَ منهم كل ابنِ هيجا | على اللأواء محبوبٌ مهيبُ |
له مِنْ نَقْعِها طَرْفٌ كَحِيلٌ | ومِنْ دَمِ أُسْدِها كَفٌّ خَضِيبُ |
وتنهالُ الكتائبُ حين يهوى | إليها مثلَ ما انهال الكثيبُ |
على طرق القنا للموتِ منه | إلى مهجِ العدا أبداً دبيبُ |
يُقَصِّدُ في العِدا سُمْرَ العَوالي | فيَرْجِعُ وهْوَ مسلوبٌ سَلوبُ |
ذوابلُ كالعقودِ لها اطرادٌ | فليس يشوقها إلا التريبُ |
يخرُّ لرمحهِ الرُّوميُّ أني | تيقنَ أنه العودُ الصليبُ |
ويَخْضِبُ سَيفَهُ بِدَمِ النَّواصي | مخافة َ أن يقالَ به مشيبُ |
له في الليل دمعٌ ليس يرقا | وقلبٌ ما يَغِبُّ له وجِيبُ |
رسول الله دعوة َ مستقيلٍ | من التقصيرِ خاطرهُ هبوبُ |
تعذَّر في المشيبِ وكان عياً | وبُردُ شبابه ضافٍ قشيبُ |
ولا عَتْب على مَنْ قامَ يَجْلو | محاسِنَ لا تُرَى معها عيوبُ |
دعاك لكلِّ مُعْضِلة ٍ أَلَّمتْ | به ولكلِّ نائبة ٍ تَنُوبُ |
وللذَّنْبِ الذي ضاقَتْ عليه | به الدنيا وجانبُها رَحيبُ |
يراقبُ منه ما كسبت يداه | فيبكيه كما يبكي الرقوبُ |
وأني يهتدي للرشدِ عاصٍ | لغاربِ كل معصية ٍ ركوبُ |
يَتُوبُ لسانُهُ عَنْ كلِّ ذَنْبٍ | وَلم يَرَ قلبَهُ منه يَتُوبُ |
تقاضتهُ مواهبكَ امتداحاً | وَأوْلَى الناسِ بالمَدْحِ الوَهوبُ |
وأغراني به داعي اقتراحٍ | عليَّ لأمرهِ أبداً وجوبُ |
فقلتُ لِمَنْ يَحُضُّ عَلَى َّ فيه | لعلَّكَ في هواهُ لي نَسيبُ |
دَلَلْتَ عَلَى الهَوَى قلبي فَسَهْمي | وَسَهْمُكَ في الهَوَى كلٌّ مُصيبُ |
لجودِ المصطفى مُدَّت يدانا | وما مدتْ له أيدٍ تخيبُ |
شفاعَتهُ لنا ولكلِّ عاصٍ | بقدرِ ذنوبه منها ذنوبُ |
هُوَ الغَيْثُ السَّكُوبُ نَدًى وَعِلْماً | جَهِلْتُ وما هُوَ الغَيْثُ السَّكوبُ |
صلاة ُ الله ما سارت سَحابٌ | عليه ومارسا وثوى عسيبُ |