القدس عاصمة لمملكة سليمان:
بعد أربعين سنة من الحكم والملك مات سليمان ـ عليه السلام ـ حوالي عام ثلاثين وتسعمائة قبل الميلاد، وقد بقيت مملكته طوال هذه المدة قوية مرهوبة الجانب، وظلت القدس عاصمة له طوال حكمه ..
وأتيح لسليمان من أسباب القوة والسيطرة ما لم يتح لأبيه من قبله، فكان له جنود من الجن والإنس ومن الطير، وسخر الله له الريح تتحرك بأمره حيث شاء، وعلمه لغة الطير، مما مثل عنده أدوات لنشر الدين ومحاربة الوثنية والخرافة.
والقدس عند نبي الله سليمان أكثر من عاصمة سياسية لمملكته؛ فهي قبل ذلك، منار ينطلق منه نور النبوة، وتقام فيه العبادة لله تعالى وحده، وقد جدد سليمان ـ عليه السلام ـ بناء المسجد الأقصى بالمدينة المقدسة، واستعمل الإنس والجن في ذلك، حيث عملوا له محاريب، وغير ذلك من البنايات التي تخص المسجد.
ولم تقتصر حركة سليمان العمرانية على مسجد بيت المقدس الجليل، بل اتسعت لتشمل المدينة كلها، وكثيرًا من الجهات والبقاع في مملكته، فغدت القدس مجالا لحركة عمرانية كبيرة، ودخلت عليها توسيعات كثيرة. والقرآن في حديثه عن سليمان يشير إلى اهتمامه بالبناء والعمران عموما، واستخدامه الجن في هذه المهمات (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجِفَان كالجواب وقُدُور راسيات). وقد جاءت ملكة سبأ إلى النبي سليمان في عاصمة ملكه، فوجدت أمامها صرحا عجيب البناء، أقيم من الزجاج فبهرها، حتى أسلمت لله، الذي يؤمن به سليمان قبلها بالرغم من أن ملكه أعظم من ملكها مراتٍ ومراتٍ.
وللشهرة الواسعة التي نالها سليمان، حتى وهو حي، بقيت عاصمته أورشليم جاذبة للناس من كل الأجناس، ومن علامات شهرته أن ملكة سبأ حينما تلقت كتابه إليها، قالت للناس من أنصارها: (إنه من سليمان..) ، فحدثتهم بطريقة مَنْ يعرف سليمان جيدًا.
وقد كانت روعة البناء والعمران السليماني في القدس وغيرها جاذبة لأعين الملوك فيما بعد، فحرصوا في غزوهم لبيت المقدس على سلب كنوزها، وتخريب عمرانها، ومثلوا سيف انتقام قاسيا من بني إسرائيل، ومن هؤلاء: البابليون والفرس واليونان والرومان.
الغزو البابلي لبيت المقدس: