حصار المسلمين بيت المقدس:
اعتاد من يسيطر على القدس منذ القِدَم أن يلفها بالأسوار، ويقيم حولها الحصون، حماية للمدينة الغالية من الغزاة والمغامرين. وقد عُثر في الأردن على خريطة ثمينة من القرن السادس الميلادي، تشرح وضع القدس في هذا الزمن، حيث بدت محاطة بسور فيه عدة أبراج ومجموعة أبواب، وفي الداخل تبدو المباني الفخمة، وأهمها الكنائس.
وحينما قَدِمَ عمرو بقواته سنة 637م وجد المدينة حصينة منيعة، قد احتمى بها الرومان، وليس من اليسير اقتحامها عليهم، فضرب الحصار حولها، وراح يبحث عن فرصة أو فرجة للدخول، ولكن مرت ثلاثة أيام دون أن يجد شيئا من ذلك، فاستجمع قوته وتقدم نحو الأسوار، فأمطرهم الروم بالنبال، والمسلمون يصدونها بتروسهم.
وقدمت إلى عمرو معونات من القادة الآخرين بالشام، فلم يمر يوم إلا وقع فيه قتال، حتى مرت أربعة أشهر، لم يزل المسلمون فيها على القتال والحصار وأهلُ بيت المقدس لا يظهرون من قلوبهم همًا ولا جزعًا .. ليس غير المنجنيقات الضخمة ترمي بالحجارة فوق القوى المحاصِرة من المسلمين، ويحتمون داخل أسوارهم معهم السيوف والدروع ..
إلا أن طول الفترة، وصبر المسلمين العجيبَ بالرغم من البرد الشديد ـ كانت كفيلة بأن تحبط الروح المعنوية للروم، فتراجع أرطبونُ بقواته إلى مصر. ودعا أهلُ القدس إلى طلب المصالحة، فسار إليهم عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وصالحهم.