القدس زهرة المدائن:
كانت الأرض واسعة لا يتصارع عليها الناس، بِكْرًا تَبُوحُ لهم كل يوم بِسِرٍّ كبيرٍ من أسرارها، فهنا نهر كبير يجري، وهناك وادٍ خصيب جواد بالخضرة والخير، وهناك آبار غزيرة فياضة بالماء .. هكذا بدا المشهد في المراحل المبكرة لحياة البشر فوق الأرض.
وقد سعى الإنسان منذ القدم وراء هذا الخير الذي نشرته يد القدرة الإلهية الخالقة في الأرض، وهناك أقام الإنسان مدنه ومنازله وقراه.
وقد جعل الله تعالى الناس شعوبًا وقبائل، وكان من نصيب اليَبُوسِيِّين ـ وهم سامِيُّون عرب ـ تشييدُ البناء الأول لمدينة مِن أعظم مدن الدنيا والتاريخ، وذلك قبل الميلاد بثلاثين قرنًا، حيث لم يكن النبي الكريم إبراهيمُ ـ عليه السلام ـ قد ظهر فوق صفحة التاريخ داعيًا إلى التوحيد، منتقلاً به من العراق وما بين النهرين، ومتنقلاً به بين الشام ومصر والحجاز.
ولم يكن بناء اليبوسيين لزهرة المدائن أو مدينة بيت المقدس سوى البناء الأول لها، وعلى مدى التاريخ جددت المدينة ثوبها ثماني عشرة مرة، فهدمت أو دمرت ثم أعيد بناؤها في كل هذه المرات، حتى استقرت على هيْأتِها في العهد العثماني، ودخلت عليها زيادات أخرى كبيرة مع الاحتلال الإسرائيلي للتقليل من شأن القدس القديمة ومسخ طابعها الخاص.