الطولونيون والسيطرة على القدس:
بعد انقضاء عصر الخلفاء العباسيين العظام، بدأت سيطرة خلفائهم على الدولة تضعف، وكان ذلك بعد انقضاء قرن واحد من عمر الدولة، أي في سنة مائتين واثنتين وثلاثين، ومن هنا كثُرت انشقاقاتُ القادة واستقلالُهم عن الدولة، وأصبح ذلك غير قاصر على الأطراف، وإنما امتد ليصل إلى القلب، حتى صار مقام الخليفة يشبه المنصب الشرفي في كثير من الأحيان.
ومن القادة الذين اجترءوا على الاستقلال ببعض أجزاء الدولة أحمد بن طولون، الذي كان أبوه رجلاً تركستانيًا اصطفاه المأمون في الخدمة، حتى صار قائدًا للحرس الخلافي. وورث أحمد عن أبيه القرب من العباسيين، واستغل فرصةَ ضعف الدولة، فاستقل بمصر، وسيطر معها على الشام، وأقام دولة لأسرته، يتوارثون فيها المُلك عن بعضهم بعضا.
وقد سيطر ابن طولون على القدس عام مائتين وخمسة وستين من الهجرة، ووطد سلطانه في الشام، بعد أن وطده في مصر.
وفي عهد ابن طولون عانى نصارى بيت المقدس من بعض المتاعب، فقد مُنعوا من لبس الدروع إلا بشروط، وحُظر عليهم ركوبُ الخيل.
كما وقع خلاف حاد بين بعض القبائل العربية المقيمة في فلسطين، فاقتتل بنو لخم وبنو جذام في عهد ابن طولون قتالاً شديدًا.
لقد كان وضع القدس في فترة الحكم الطولوني خاملاً بوجه عام، حتى خرجت من أيديهم بعد حكم دامَ سبعةً وعشرين عاما فقط، وبعدها بقليل دخلت المدينة تحت سلطة الإخشيديين